تابعنا

مشاركة مميزة

كتاب حجة معالم وأعلام للباحث والمؤرخ يحيى محمد جحاف

  العنوان حجة معالم وأعلام المؤلف يحيى محمد جحاف عدد الأجزاء 1 عدد الأوراق 526 رقم الطبعة 1 بلد النشر اليمن نوع الوعاء كتاب تاريخ النشر 1434...

أنت الزائر رقم:

القاضي عساج لأنني حررت العبد قناف اتهموني بجريمة




المصدر أونلاين- خاص: عمر العمقي
ولد في العام 1957م بمديرية الشاهل محافظة حجة، ودرس العلوم الشرعية منذ صغره، ونال شهادة الثانوية العامة في العام 1981م.
التحق بكلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء ونال منها شهادة الليسانس في العام 1988م. وفي العام 1990م، التحق بالمعهد العالي للقضاء وكان من ضمن خريجي الدفعة التاسعة في العام 1993م. عقب تخرجه عين قاضياً بمحكمة بني حشيش، ثم مساعداً لرئيس محكمة جنوب غرب أمانة العاصمة، فقاضياً للتنفيذ.

في العام 1994 عين رئيساً "لمحكمة أفلح اليمن". وفي العام 2005م عين رئيساً لمحكمة كعيدنة، والمحكمتان في محافظة حجة. هو أب لسبعة أولاد منهم ثلاثة ذكور.

وفي منتصف 2008م قام بتعميد وثيقة بيع وتحرير العبد قناف التي تم الكشف عنها في 20 فبراير 2009م والتي أثارت ردود فعل سلبية أدت في يومها الثالث إلى إحالته إلى مجلس المحاسبة، ولقناعته بشرعية فعله وصوابية هدفه الإنساني النبيل قدم استقالته من القضاء.

وحينها أسدل الستار على تلك المآسي التي يعاني منها العبيد والجواري القاطنين تهامة، والتي تسنى لـ"المصدر" الكشف عنها في الخامس عشر من يونيو 2010.
فيما يلي من السطور يتحدث فضيلة القاضي هادي حسن أبو عساج في أول حوار صحفي له -وتنفرد به "المصدر"- عن قضية تحريره لأول العبيد في كعيدنة.. إلى التفاصيل:
* أثناء رئاستك لمحكمة كعيدنة، هل علمت بوجود عبيد وجواري في المنطقة؟
- نعم. لقد عرفت عن ذلك وسمعت وشاهدت بعيني.
* وضح أكثر.
- في إحدى المرات حدث نزاع بين الجارية شعية وجيران سيدها أحمد شيخ، وتم عرض ذلك على المحكمة بموجب قرار الاتهام من النيابة العامة.
وعندما عقدت جلسة لمحاكمة طرفي النزاع، تأكد لي بأن شعية بنت سيارة هي جارية ومملوكة لـ أحمد شيخ، وذلك لأن وكيل الطرف الآخر وهو عبدالكريم موسى كان يردد دائماً في مرافعته بأن أحمد شيخ يغري جاريته ويدفعها نحو إيذاء الآخرين، وقد اعترف أحمد شيخ بذلك.
* وما الذي حدث بعد ذلك؟
- أوعزت للنيابة العامة للتقدم بالطلب بعتقها، فطلب وكيل النيابة تحريرها وعتقها، وحينما شرعت في ذلك رفضت شعية أن يتم عتقها وقالت بالحرف الواحد: "لم أحضر إليكم من أجل تحريري أو عتقي وإنما جئت من أجل القضية التي بيني وبين غرماء سيدي".
* وهل اقتنعت بردها؟
- لا. حاولت أن أبحث عن مخرج شرعي وقضائي لعتقها، بحيث أصدر حكماً قضائياً يمنحها الحرية. وبعد تفكير طويل وجدت أن لا مبرر لذلك سوى أن يقوم أحمد شيخ بضرب جاريته والتمثيل بها، ولعدم حدوث ذلك، سعيت نحو البحث عن مخرج آخر وهو أن أساوي بين ما تقوم به الجارية شعية التي تقوم بالاعتداء على السكان تنفيذاً لتوجيهات سيدها الذي يدفعها نحو ما قد يؤدي إلى تعرض حياتها للخطر ومقارنته بما ستؤول إليه حالتها في حال وأن اعتدى عليها أحمد شيخ. وفي تلك الأثناء علمت بأن لا مأوى لشعية يمكن أن تذهب إليه في حال تحريرها، خاصة وأن أشقاءها لازالوا عبيداً، مما دعاني حينها للتراجع، وغير ذلك من الأسباب التي لا أود ذكرها حالياً.
* ماذا عن الآخرين؟
- دعني أوضح لك أمراً هاماً: أنا أنتمي لمنطقة الشاهل بمحافظة حجة، وكان عندنا الكثير من العبيد والجواري ولكنهم ولله الحمد نالوا حريتهم، ولهذا كنت أطمح إلى تحقيق الحرية لمن تبقى من العبيد والجواري في كعيدنة، وما أعاقني عن ذلك هو عدم وجود نص يخولني ذلك صراحة، إضافة إلى أن العتق إما أن يكون عبر المالك أو عبر شخص آخر يقوم بشراء العبد أو الجارية للقيام بعتقه، وهذا لم يحدث سوى مرة واحدة عدما قام عبدالرحمن سهيل بشراء العبد قناف وعتقه.
* هل تعني بأن العبيد لم يقوموا بالتقدم إلى المحكمة بطلب عتقهم؟
- بسبب الأمية المتفشية في أوساطهم لم يحدث ذلك، غير أن العبد فهد بن سارية، شقيق قناف، قام بتقديم طلب إليّ ولكن بعد فوات الأوان، أي بعد أن تم توقيفي من عملي كرئيس لمحكمة كعيدنة على خلفية قيامي بتعميد وثيقة بيع وتحرير شقيقه الأصغر قناف.
* لماذا قمت بتعميد الوثيقة الخاصة ببيع العبد قناف؟
- لأن الهدف من ذلك هو تحرير قناف من العبودية التي يعيشها، فالمشتري نيته هو عتق قناف لا تملكه، وأنا كنت أبحث عن هذه الفرصة.
* كيف؟
- في المنطقة يوجد العديد من العبيد والجواري، وأنا كنت أطمح لتحريرهم، وعندما قام عبدالرحمن سهيل بشراء قناف من حميد جبران بهدف عتق رقبته لم أتردد في توثيق ذلك الصك الشرعي، وقمت بتسليمه لقناف لكي تكون بيده صكاً شرعياً يثبت عتقه.
* هل تعني بأن الهدف من ذلك هو هدف إنساني؟
- نعم. هدف إنساني بحت، ونرتجي منه الأجر والثواب من الله عز وجل.
إضافة إلى أن استمرار قناف في العبودية مسألة مؤلمة، وكان ينبغي لها أن تنتهي. كذلك ديننا الإسلامي دعا إلى تحرير العبيد وعتق رقابهم، وجعل لمن قام بذلك أجر كثير، وكذلك أوجب الله تبارك وتعالى على القاتل خطأ أن يكفر بعتق رقبة مؤمنة.
* لكن هناك من يقول بأنك ارتكبت جريمة فادحة وخالفت القانون بتعميدك لوثيقة بيع وشراء إنسان؟
- لا يعد ما فعلته جريمة، فمن الخطأ والإجحاف قول ذلك، بل يعد عملاً قضائياً شرعياً منبثقاً من حكم الشريعة الإسلامية. ولو كانت الشريعة الإسلامية تجرم ذلك لما عمدت ذلك، ولكن الشريعة تؤكد على صوابية فعلي، لأن الإسلام أوجب على كل من قتل خطأ أن يكفر بعتق رقبة مؤمنة. والأخ عبدالرحمن سهيل تسبب في إزهاق روح أحد المارة من الشارع، ولوجود عبيد في مديرية كعيدنة التي ينتمي إليها المذكور، ولكونه ميسور الحال كان يجب عليه عتق أحد العبيد.
إضافة إلى أن الإسلام دعا إلى تحرير العبيد وأجزل في الأجر، وفي الحديث النبوي "من فك عن رقبة مؤمنة فك الله عنه بكل عضو عضواً من النار" أو كما قال خاتم الأنبياء والمرسلين.
* هل تضمنت مناهج المعهد العالي للقضاء هذا الأمر؟
- نعم.. لقد درسنا ذلك في كتاب العتق، وهذا الكتاب كتب مقدمته رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح. وكان الكتاب يدعونا معشر القضاة إلى العمل على تحرير العبيد وعتقهم، بل إني لا زلت أتذكر ذلك السؤال الذي ورد في الامتحان النهائي لنا، والذي طلب فيه أن نجيب على ما هو الذي لا يجوز بيعه، والإجابة هي لا يجوز بيع الحر مطلقاً ولا العبد المدبر ولا أم الولد، والعبد المدبر هنا هو من أوصى له سيده بعتقه من بعد وفاته.
* كيف نظرت قيادة السلطة القضائية لصنيعك؟
- اعتبروها مخالفة قانونية، ومخالفة لأعمال القضاء.
* هل شرحت لهم وجهة نظرك؟
- نعم.. قمت بذلك، وذكرت لهم بأن فعلي مستمد من الشريعة الإسلامية، واستدليت بالعتق المحرر في باطن بصيرة الشراء.
بصراحة أن قضية عتق قناف تم إهمالها والتغاضي عنها، حيث انحصر اهتمام مجلس القضاء ووسائل الإعلام ومن يسمون أنفسهم بالمدافعين عن حقوق الإنسان على قضية بيع وشراء قناف فقط، دون النظر إلى المغزى من ذلك الصنيع، الذي كان الهدف منه تحرير قناف.
القاعدة الشرعية تقول أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولا يستطيع أحد تحرير العبيد إلا إذا اشترى، فالشراء هو الوسيلة والطريقة لكي يتم العتق، وبالذات عندما تكون العبودية هي عن طريق الوراثة كما هو حال قناف.
* يبدو أنك مقتنع بصوابية ما قمت به، فلماذا إذن قدمت استقالتك من القضاء؟
- قمت بذلك لعدة أسباب، فمجلس القضاء قام بإحالتي لمجلس المحاسبة ورفعت ضدي دعوى تأديبية، رغم أن ما قمت به من عمل شرعي وإنساني. كذلك شعرت بأن استمرار الدعوى التأديبية ضدي ستخلص إلى عزلي من القضاء، حيث أن قيادة السلطة القضائية ومجلس المحاسبة كانوا ضدي ومجمعين على أني أخطأت، ولهذا أردت أن لا أكون سبباً في إحراج زملائي القضاة الذين ستثبت لهم الأيام صوابية فعلي، خاصة إذا ما قرروا عزلي أو معاقبتي بطريقة أخرى، وعندما يتأكد لهم خطأ تصرفهم يكونون في مأزق. كذلك فضلت الاستقالة حتى لا أربح القضية ويقع مجلس القضاء في ورطة.
 
* بعد استقالتك بعدة أشهر قدمت تظلماً إلى مجلس القضاء.. فما السبب الذي دفعك نحو ذلك؟
- لم أكن أرغب في القيام بذلك، لكن معالي الوزير لشؤون مجلس النواب والشورى الأستاذ أحمد الكحلاني دعمني للقيام بذلك، لكونه مقتنع بأني تعرضت للظلم.
*ومع إصرار الوزير الكحلاني سلمت له ورقة التظلم وقام مشكوراً بتبني الموضوع وذهب لمقابلة وزير العدل وأمين عام مجلس القضاء، ولكن المجلس في الأخير رفض قبول التظلم، وحقيقة أنا ممتن لدور وتفاعل الأخ أحمد الكحلاني.
* بعد كل هذا.. هل أثرت هذه الظروف التي مررت بها على نفسيتك؟ وهل كان لها تأثير سلبي على أسرتك؟
- بالضبط هذا ما حدث. لقد تأثرت كثيراً وعانيت من سوء فهم تصرفي، وقد امتد ذلك نحو زوجتي وأولادي الذين تأثروا سلباً من ما تعرضت لها، ولكن نقول الحمد لله على كل حال، وطالما وأنني مع شرع الله وتمكنت من الإسهام في تحرير قناف من العبودية التي عاشها زهاء 25 عاماً فإني راض كل الرضا عما أراده الله لي.
 * ما الذي يمكن أن يقوله القاضي هادي أبو عساج حول كل ما حدث؟
- كان ينبغي على قيادة مجلس القضاء والمنظمات الحقوقية والوسائل الإعلامية التأكد من حقيقة ما حدث والنظر إلى جميع جوانبها، ولا تنظر من زاوية واحدة. فالمغزى من ذلك هو العتق وليس الاستعباد، هو تضميد الجراح وليس توسيعها، هو رسم الابتسامة وليس كبتها.
للأسف لم ينظر نحو الجانب الإيجابي والعمل الإنساني، والأسوأ من ذلك أنهم لم يدركوا بعد حقيقة العبودية التي لم تنته حتى اللحظة في كعيدنة.
عادة يفسر الشك لصالح المتهم، وهذا ما كان ينبغي عليهم فعله حتى تثبت الإدانة بالدليل القاطع، لكنهم سعوا إلى إجهاض تلك الحقيقة المرة التي يعاني منها العبيد والجواري. لقد كنت مجرد ضحية لصراع القوى النافذة في كعيدنة، وكنت شماعة لصمت السلطات وتغاضيها عن قضية العبيد.
تلك الهستيريا التي اعترت المتنافسين على عضوية البرلمان كانت سبباً رئيسياً لتمييع فعلي الإنساني، وكانت سبباً لإخراج تلك الوثيقة وتسريبها نكاية بالطرف الآخر، فكلا المتنافسين على الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في أبريل 2009 سعوا إلى التنكيل بخصومهم، وكنت أنا ضحية ذلك الصراع الذي انتهى بتأجيل الانتخابات البرلمانية إلى 2011. أتمنى أن يتم التحري دوماً حتى لا يظلم أي إنسان مستقبلاً.
* لا يزال هناك العشرات من العبيد والجواري في مديرية كعيدنة بحجة ومديرية الزهرة بالحديدة.. برأيك كيف يمكن تحريرهم؟
- لن يتم ذلك إلا بعد الاعتراف من قبل السلطة بوجود العبيد. عندما قمت أنت يا أخ عمر بزيارة المنطقة وجدت العبيد والجواري واستمعت إليهم ونشرت قصصهم وهمومهم، وهذا ما ينبغي على الجهات المسؤولة فعله. يجب النزول لمعانية تلك الحقيقة المرة وإحصائها والاعتراف بوجودها ومن ثم معالجة قضيتها.
إن شريعتنا الإسلامية أعطت الكثير من الوسائل والطرق لعتقهم: إما عن طريق المالك الذي يقوم بعتق عبيده ابتغاء مرضاة الله، أو عن طريق المكاتبة بين السيد والمملوك. أو عبر الزكاة التي يتم تسليمها للدولة سنوياً من قبل التجار وغيرهم، فمن مصارف الزكاة الثمانية بحسب الآية الكريمة "وفي الرقاب" والمقصود هنا إما أن يحرره المالك ويعتبر ذلك جزء من الزكاة المفروضة عليه، وإما تتكفل الدولة بدفعها من الزكاة التي تقوم بتحصيلها.
أو عبر التدبير لما بعد الموت فيقول سيده: "أنت حر لوجه الله بعد موتى"، أو عن طرق وصية يوصي بها السيد لعبده فيوصي له بشيء من المال، وإذا أوصى له بذلك أصبح حراً.
ومع كل هذا ينبغي أولاً الاعتراف بالعبودية من قبل الحكومة وبدون هذا الاعتراف سيستمر هؤلاء في عبوديتهم.
* بعد إحالتك لمجلس المحاسبة سمعنا عن تضامن عدد من القضاة معك.. ما صحة ذلك؟
- نعم حصل هذا ومنهم من يعمل في هيئة التفتيش القضائي، فعندما قالت قيادة مجلس القضاء بوجود العبيد، قلت نحن وجدنا ذلك والحجة هي على من وجد لا على من لم يجد ذلك.
فوجدت حينها تضامن عدد من الإخوة الزملاء وإشادة بموقفي وبالذات المنتميين منهم لتلك المناطق أو الذين سبق لهم العمل هناك، بل إنهم قالوا: لو أنكرت وجود العبيد لنقصت في نظرنا.
* بوسعك أن تختم هذا اللقاء بما شئت، فالكلمة لك؟
- كان ينبغي إجراء هذه المقابلة الصحفية في حينه، أي قبل ستة عشر شهراً، ولكن وسائل الإعلام للأسف لم تكلف نفسها بالسؤال عن حقيقة ما حدث.
ولكن.. لا شيء يهم الآن سوى تحرير ما تبقى من العبيد والجواري، ومن يقول غير ذلك أو يدعي بأن في الأمر مزايدة فهو محاسب أمام الله، وعليه أن يتقي الله ويخرس لسانه طالما وأن عينه وأذنه بعيدتين عن ذلك الألم والأوجاع التي يعاني منها العبيد والجواري.ٍ
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق

لإضافة تعليق على الموضوع يجب عليك تحديد ملف تعريفك بما يناسبك من تحت المستطيل أدناه.